
رحلة في أعماق أخطر العقول
فبراير 12، 2017
منطقة ديوا للتواصل
"من المهمّ مجابهة التطرّف فكريّا ومنع حدوثه، وعدم الاكتفاء بمحاربته ميدانيًا."
تحدث البروفيسور آري كروغلانسكي، أستاذ علم النفس بجامعة ميريلاند، عن آخر ما توصلت له الأبحاث في علم النفس حول ظاهرة التطرّف وأسبابها وما يمكن أن تفعله الحكومات لمواجهتها. استهلّ كروغلانسكي حديثه عن مفهوم "التطرّف" العلميّ بالتحديد، حيث عرّفه بأنّه: "الانحراف المقصود عن المعايير العامّة لأيّ سلوك طبيعي". وأضاف أن هذا التعريف يشمل أفعالًا بعيدة كل البعد عن المفهوم المُتداول للتطرّف، ولكنها تشترك معه في بعدها عن الأفعال الشائعة بين معظم الناس، وذكر مثالًا على ذلك الأم تيريزا ومارتن لوثر كنج، اللّذين كانا متطرّفين ولكن بالمعنى الإيجابي للكلمة.
وبالحديث عن النظرية العلمية التي يتبنّاها في تفسير نشأة التطرّف، قال كروغلانسكي إن كل فرد لديه احتياجات أساسية معينة (مثل الأمان والاحترام والبقاء والإنجاز)، وأنّ هذه العوامل تؤثّر في بعضها البعض، ومن هنا ينشأ التطرّف عندما تطغى إحدى الحاجات على غيرها، ممّا يؤدّي إلى انشغال المرء بتعزيز هذه الحاجة خلافًا لباقي الأفراد.
أشار البروفيسور كروغلانسكي إلى النموذج ثلاثي العوامل الذي طوّره لتفسير ظاهرة التطرّف، والذي يقوم على ثلاثة محاور هي: أولًا، الحاجة للشعور بالأهمية. وثانيًا، وجود سردية أو إيديولوجيّة (تدفع المرء لتعزيز حاجته المتزايدة للشعور بالأهميّة). وثالثًا، وجود شبكة اجتماعية تشّكل حاضنة للاعتراف بأهميّة الفعل والشخص من قبل الآخرين. يظهر التطرف في الأساس نتيجة الشعور بتضاؤل الأهمية والقيمة (سواء أكان ذلك على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي)، وفي نفس الوقت وجود فرصة لاستعادة الشعور بهذه الأهمية من جهة أخرى.
تطرّق البروفيسور كروغلانسكي أيضًا إلى العديد من الأبحاث التجريبية والعمليّة التي أُجريت في بلدان وثقافات مختلفة، وقال إنّ هذه الدراسات تثبت اشتراك الثقافات حول العالم في الدوافع التي تؤدّي للتطرّف. وفي الختام، أوصى كروغلانسكي الحكومات بألا تكتفي بمواجهة التطرف بالحلول الأمنية، بل يتعين عليها مجابهته في مراحله الأولى، بل ومنع ظهوره من الأساس. وأكّد أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال التعليم والسياسات التي تقلل الشعور بانعدام الأهمية لدى بعض الأفراد، وترسّخ العدالة والقيم السّامية كالاعتدال والاعتراف بالآخر.